وراسل الوزير أبو عبد الله البريدي المتقي لله على يد القاضي أحمد بن عبد الله بن إسحاق الخرقى وأبي العبّاس الاصبهاني يطالبه بحمل مال، فحمل إليه مائة وخمسين ألف دينار. ولمّا قبض عليه استكتب المتقي لله على خاص أمره أبا العبّاس أحمد ابن عبد الله الإصبهاني واعتلّ أبو الحسين بعد مدّة بالبصرة ومات بها. وتحرّك الجند لغد ذلك اليوم في دار السلطان وضجّوا لارتفاع السعر، وتحرّكت العامّة في المساجد الجامعة ببغداد وكسروا المنابر وقطعوا الصلاة بعد الركعة الأولى واستلبوا الثياب ورجموا بالآجرّ وكثرت الجراحات واجتمع منهم في المسجد الجامع الذي في دار السلطان عدد كثير على نصر الحاجب فوثبوا عليه ورجموه بالآجرّ. وفي يوم الجمعة اجتمعت العامّة في الجامع من دار السلطان وضجّوا وتظلّموا من الديلم ونزولهم في دورهم بغير أجرة وتعدّيهم عليهم في معاملاتهم. في لوزان سوق تقام مرتين في الأسبوع على عادة معظم المدن الأوربية مثل سوق الأحد وسوق الجمعة في دمشق تباع في ذاك السوق جميع أنواع المأكول والملبوس والمنظور فترى فيه نموذجاً صالحاً من حاصلات البلاد وصناعتها وأكثرها رخيص قصدته عدة مرات للفرجة وابتياع بعض اللوازم فدهشت وقد رأيت بعض النساء الغنيات والفتيات البارعات الجمال يبتعن بأنفسهن حاجات بيوتهن يجعلنها في كيس براق من المطراز ويحملنها إلى مساكنهن وقد تكون بعيدة وعند أكثرهم على ما بلغني الخادمات والطباخات والوصيفات قلما يعهدن إليهن بشراء حاجة ولو طفيفة ويذهبن بأنفسهن لابتياعها وهكذا تجد الديمقراطية تشربتها نفوس الكبير والصغير فلا يجد احد من المعيب أن يخدم نفسه وداره وأهله وسواء في الشرف من يكسح القمامات والثلج من الشارع ويرزق خمسة فرنكات في النهار ومن يملك مصرفاً كبيراً يعد ما يربحه كل يوم بمئات من الفرنكات ما دام كلاهما يعمل في دائرته بقدر طاقته ولا يتعلق بأحد وأول ما يسأل الزوج عن فتاة يخطبها قبلان يسأل عن جمالها ما هي معارفها وما تسطيع عمله.
قال حمزة عن الدارقطني: سعر الشباك الألمنيوم فيه كفاية لا يزاد عليه. قال ارجعوا وانطلق أبو بكر رضي الله عنه وتبعته وحدي حتى أتى رسول الله ﷺ فحدثه الحديث كما كان فرفع إلي رأسه فقال يا ربيعة ما لك والصديق فقلت يا رسول الله كان كذا وكذا فقال لي كلمة كرهتها فقال لي قل كما قلت حتى يكون قصاصا فأبيت فقال رسول الله ﷺ أجل لا ترد عليه ولكن قل قد غفر الله لك يا أبا بكر فقلت غفر الله لك يا أبا بكر قال الحسن قولي أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي. » فانخدع له وصار إليه فاجتمعوا فلمّا تمكّن منه عاجله بالقبض عليه إلّا أنّه استعان به في العاجل لمّا اجتمعوا وواقفه على قصد البريدي ونهب ما حصل عنده. فهرب الوزير أبو عبد الله البريدي وأخوه وابنه وانحدروا إلى واسط في الماء ونهبت داره في النجمى ودور قوّاده ونهب بعض المال الذي كان حمله إليه المتقى في ذلك اليوم. وتقدّم مونس إلى أصحابه بالاجتماع إليه، فلمّا فعل ذلك جمع ياقوت وابنه الرجال في دار السلطان وفي دار محمّد بن ياقوت.
ودخل أبو عبد الله البريدي بغداد ومعه أخوه أبو الحسين وابنه أبو القاسم وأبو جعفر ابن شيرزاد يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان. فخرجت معه فنزلنا الطيّار فلمّا وصلنا وتوسّطنا الدار وجدنا أبا القاسم الكلوذانى في جانب منها والبريديّين بين يديه والكتّاب. فنزلوا البستان الشفيعى وتلقّاه الوزير أبو الحسين ابن ميمون والكتّاب والعمّال والقضاة والوجوه وكان معه من الشذاءات والطيارات والحديديات والزبازب ما لا يحصى كثرة. ولم يلق الوزير أبو عبد الله طول مقامه ببغداد المتقي لله ولا دخل دار السلطان وذهب إليه الأمير أبو منصور ابن المتقي لله وهو في النجمى ليسلّم عليه فلبس أبو عبد الله البريدي قباء أسود وعمامة سوداء وتلقّاه في أحسن زيّ وأوفر عدّة ونثر عليه دنانير ودراهم. فلمّا قرب البريدي انحدر إليه وتلقّاه فأكرمه أبو عبد الله غاية الإكرام ووفّاه حقّه وأعظمه ومنعه من أن يخرج من طيّاره وانتقل هو إليه وشكر برّه وخاطبه بنهاية الإكرام والتعظيم. فوجّه المتقى إليه يعرّفه أنسه بقربه وحمل له الطعام والشراب والألطاف عدّة ليال وكان يخدم في ذلك كلّه خدمة الخلافة. » وكان الجواب عن هذه الرسالة الإنعام، وحمل إليه خمسمائة ألف دينار. فاستوفاها عن آخرها في سلخ رمضان ووهب للقاضي الخرقى منها خمسة آلاف دينار. « يا أبا الحسين قد قلدتك الإشراف على واسط وأجريت لك ألف دينار في كل شهر، فامض إلى عملك مع ابنك.
فأخذها وراسله بأنّه لا بدّ من خمسمائة ألف دينار. وكان يكتب له رجل من أهل إصبهان يعرف بأبي الفرج ابن عبد الرحمن واستدعى المتقي لله أبا الحسن عليّ بن عيسى وأخاه عبد الرحمن فدبّر الأمر عبد الرحمن من غير تسمية بوزارة. وأنفذ شيرج بن ليلى اسفهسلّاره مع حاجبه الشابشتى ومعهما ألفان وأربعمائة رجل من الجيل والديلم ووجوه القوّاد مثل بكران وإسماعيل الجبلي إلى الأهواز، وكان غرضه أن يملكها فيأخذ الطريق على عليّ بن بويه ويحجز بينه وبين السلطان حتى إذا قصده بعد ملكه الأهواز لم يكن له منفذ إلّا إلى تخوم كرمان والتيز ومكران وأرض خراسان. فلمّا كان يوم الأربعاء لعشر خلون من شهر رمضان حضر أبو الحسين ابن ميمون ومعه ابنه أبو الفضل مجلس الوزير أبي عبد الله وكان الوزير قد واطأ القوّاد إذا حضر أبو الحسين مجلسه أن يجتمعوا ويكلّموه ويتوثبوا عليه ويتهددوه بالقتل ويقولوا أنّه يضرّب علينا الخليفة ويفسد علينا رأيه. فدخلا الرواق ووكّل بهما، وانصرف القوّاد وحصلا في قبضه. « قوما ادخلا الرواق. وظهر محمّد بن ينال الترجمان وكان الناس يخاطبون أبا عبد الله البريدي بالوزارة ويخاطبون أبا الحسين ابن ميمون أيضا بالوزارة ويصير أبو الحسين إليه بسيف ومنطقة وقباء ويخاطب كلّ واحد منهما صاحبه بالوزارة ثم لبس أبو الحسين الدرّاعة وأزال عن نفسه اسم الوزارة بمواطأة الخليفة وذلك لستّ خلون من شهر رمضان فكانت مدّته فيها ثلاثة وثلاثين يوما وتفرّد أبو عبد الله البريدي باسم الوزارة.