الوجه الثّاني أن يراعى فيها مصلحة السّلطان وكيف يستقيم له الملك مع القهر والاستطالة وتكون المصالح العامّة في هذه تبعا وهذه السّياسة الّتي يحمل عليها أهل الاجتماع الّتي لسائر الملوك في العالم من مسلم وغيره إلّا أنّ ملوك المسلمين يجرون منها على ما تقتضيه الشّريعة الإسلاميّة بحسب جهدهم فقوانينها إذا مجتمعة من أحكام شرعيّة وآداب خلقيّة وقوانين في الاجتماع طبيعيّة، وأشياء من مراعاة الشّوكة والعصبيّة ضروريّة والاقتداء فيها بالشّرع أوّلا ثمّ الحكماء في آدابهم والملوك في سيرهم ومن أحسن ما كتب في ذلك وأودع كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله بن طاهر لمّا ولّاه المأمون الرّقّة ومصر وما بينهما فكتب إليه أبوه طاهر كتابه المشهور عهد إليه فيه ووصّاه بجميع ما يحتاج إليه في دولته وسلطانه من الآداب الدّينيّة والخلقيّة والسّياسة الشّرعيّة والملوكيّة، وحثّه على مكارم الأخلاق ومحاسن الشّيم بما لا يستغني عنه ملك ولا سوقة. ونصّ الكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم) أمّا بعد فعليك بتقوى الله وحده لا شريك له وخشيته ومراقبته عزّ وجلّ ومزايلة 195 سخطه واحفظ رعيّتك في اللّيل والنّهار والزم ما ألبسك الله من العافية بالذّكر لمعادك وما أنت صائر إليه وموقوف عليه ومسئول عنه، والعمل في ذلك كلّه بما يعصمك الله عزّ وجلّ وينجّيك يوم القيامة من عقابه وأليم عذابه فإنّ الله سبحانه قد أحسن إليك وأوجب الرّأفة عليك بمن استرعاك أمرهم من عباده وألزمك العدل فيهم والقيام بحقّه وحدوده عليهم والذبّ عنهم والدّفع عن حريمهم ومنصبهم والحقن لدمائهم والأمن لسربهم وإدخال الرّاحة عليهم ومؤاخذك بما فرض عليك وموقفك عليه وسائلك عنه ومثيبك عليه بما قدّمت وأخّرت ففرّغ لذلك فهمك وعقلك وبصرك ولا يشغلك عنه شاغل، وإنّه رأس أمرك وملاك 196 شأنك وأوّل ما يوقفك الله عليه وليكن أوّل ما تلزم به نفسك وتنسب إليه فعلك المواظبة على ما فرض الله عزّ وجلّ عليك من الصّلوات الخمس والجماعة عليها بالنّاس قبلك وتوابعها على سننها من إسباغ الوضوء لها وافتتاح ذكر الله عزّ وجلّ فيها ورتّل في قراءتك وتمكّن في ركوعك وسجودك وتشهّدك ولتصرف فيه رأيك ونيّتك واحضض عليه جماعة ممّن معك وتحت يدك وادأب عليها فإنّها كما قال الله عزّ وجلّ تنهى عن الفحشاء والمنكر ثمّ اتّبع ذلك بالأخذ بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمثابرة على خلائقه واقتفاء أثر السّلف الصّالح من بعده، وإذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله عزّ وجلّ وتقواه وبلزوم ما أنزل الله عزّ وجلّ في كتابه من أمره ونهيه وحلاله وحرامه وائتمام ما جاءت به الآثار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قم فيه بالحقّ للَّه عزّ وجلّ ولا تميلنّ عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من النّاس أو لبعيد وآثر الفقه وأهله والدّين وحملته وكتاب الله عزّ وجلّ والعاملين به 197 فإنّ أفضل ما يتزيّن به المرء الفقه في الدّين والطّلب له والحثّ عليه والمعرفة بما يتقرّب به إلى الله عزّ وجلّ فإنّه الدّليل على الخير كلّه والقائد إليه والآمر والنّاهي عن المعاصي والموبقات كلّها ومع توفيق الله عزّ وجلّ يزداد المرء معرفة وإجلالا له ودركا 198 للدّرجات العلى في المعاد مع ما في ظهوره للنّاس من التّوقير لأمرك والهيبة لسلطانك والأنسة بك والثّقة بعدلك وعليك بالاقتصاد في الأمور كلّها فليس شيء أبين نفعا ولا أخصّ أمنا ولا أجمع فضلا منه.
وكان السبب في ذلك أن ارسلان التركي المعروف بالبساسيري كان قد عظم أمره واستفحل شأنه لعدم نظرائه وانتشر ذكره وتهيبته أمراء العرب والعجم ودعى له على المنابر وجبي الأموال وخرب القرى ولم يكن القائم يقطع أمرا دونه ثم صح عنده سوء عقيدته وبلغه أنه عزم على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة فكاتب الخليفة أبا طالب محمد ابن مكيال سلطان الغز المعروف بطغرلبك وهو بالري يستنهضه في القدوم ثم أحرقت دار البساسيري. وأني آسف وأبكي لمئات من الشبان في سورية ولا سيما في دمشق وحلب وحماة وطرابلس والقدس سئموا الحياة لبطالتهم وهم يعيشون عالة على أهلهم ومنهم الموسع عليه في رزقه لا يتنزلون للاحتراف بحرفة ولا يرون أنه يليق بهم إلا أن يتصدروا على مقاعد الحكم آمرين ناهين يؤثرون البطالة منتظرين أن يموت أولياؤهم ليستولوا على أموالهم وفي الغالب أن يموت الموسر عندنا وهو موسر بالنسبة لمحيطه ويخلف أولاداً كثاراً تقسم بينهم الثروة فينال الواحد جزءاً قليلاً لا يستطيع إنماءه ولا يقوم بتفخله وبذخه هذا إذا لم يكن فاسد الأخلاق ولم يصرف دخل سنة في شهر وهناك بشع بالفقر إلى أرذل العمر.
وأقلّ 219 العجلة وأبعد عن الضّجر والقلق واقنع بالقسم وانتفع بتجربتك وانتبه في صمتك واسدد في منطقك وأنصف الخصم وقف عند الشّبهة وأبلغ في الحجّة ولا يأخذك في أحد من رعيّتك محاباة ولا مجاملة ولا لومة لائم وتثبّت وتأنّ وراقب وانظر وتنكّر وتدبّر واعتبر وتواضع لربّك وارفق بجميع الرّعيّة وسلّط الحقّ على نفسك ولا تسرعنّ إلى سفك دم، فإنّ الدّماء من الله عزّ وجلّ بمكان عظيم انتهاكا لها بغير حقّها. وفي هذه السنة أعني سنة ثمان استردت دمياط من الفرنج. باستكمال هذه الخطوات بدقة واهتمام، يمكن لصاحب المنزل الحصول على مطبخ أنيق وعصري يلبي جميع احتياجاته ويعكس ذوقه الرفيع. القاعدة الرابعة: ورشة المنيوم النظر أبداً إلى راحة السائح وإظهار العناية بأمره فقد عني السويسريون أن يسهلوا جميع مصاعب السفر على المسافر فيرى هذا أهم اللغات الأوربية الرئيسية يتكلم بها في المحطات والفنادق والمخازن الخ والبريد من أسهل ما يمكن وفي زهاء 107 مدينة وبلد من سويسرا مكاتب للاستعلامات للغريب والقريب يسأل الإنسان فيها عما يشاء مجاناً وقد نظمت بمعرفة الشركات المحلية ولا عمل لعمال هذه المكاتب إلا أن يجيبوا الناس عما يسألون من الصباح وإلى المساء والشعب يبدي العطف على الغريب والعناية بأمره فالسويسريون إذا لم يكونوا في رقة الطليان بالاحتفال بالغريب والأخذ بيده فيما لا يعلم ومرافقته مئات من الأمتار أحياناً لدلالته على طريق أو غيره فهم وسط في ذلك فإن الواحد منهم يشرح لك محل مقصدك بأوضح عبارة ممكنة وإذا شكرته لا يرى أنه يستحق الشكر.
وقد أغنانا الله تعالى عنها في الملّة ولعهد الخلافة لأنّ الأحكام الشّرعيّة مغنية عنها في المصالح العامّة والخاصّة وأحكام الملك مندرجة فيها. فالأولى يحصل نفعها في الدّنيا والآخرة لعلم الشّارع بالمصالح في العاقبة ولمراعاته نجاة العباد في الآخرة والثّانية إنّما يحصل نفعها في الدّنيا فقط وما تسمعه من أبواب المنيوم للحمامات السّياسة المدنيّة فليس من هذا الباب وإنّما معناه عند الحكماء ما يجب أن يكون عليه كلّ واحد من أهل ذلك المجتمع في نفسه وخلقه حتّى يستغنوا عن الحكّام رأسا ويسمّون المجتمع الّذي يحصل فيه ما يسمّى من ذلك «بالمدينة الفاضلة» ، والقوانين المراعاة في ذلك «بالسّياسة المدنيّة» وليس مرادهم السّياسة الّتي يحمل عليها أهل الاجتماع بالمصالح العامّة فإنّ هذه غير تلك وهذه المدينة الفاضلة عندهم نادرة أو بعيدة الوقوع وإنّما يتكلّمون عليها على جهة الفرض والتّقدير ثمّ إنّ السّياسة العقليّة الّتي قدّمناها تكون على وجهين أحدهما يراعى فيها المصالح على العموم ومصالح السّلطان في استقامة ملكه على الخصوص وهذه كانت سياسة الفرس وهي على جهة الحكمة.